mercredi 5 mars 2014

الجاحظ


المنزع العقلي في الأدب العربي القديم
I - التمهيد : 
1 - تعريف العقل 

2 - نشأة النزعة العقلية عند العرب . 

3 - تعريف المعتزلة : النشأة / المبادئ / أسبقية العقل على النقل / التفكير العقلاني

4 – حضورالعقل في مؤلفات الجاحظ " من خلال كتابي الحيوان والرسائل "

5 - من تجلّيات المنهج العلمي عند الجاحظ 

II - الحجاج :

1 - تعريف الحجاج " النّص الحجاجي " : 

2 - بنية النّص الحجاجي 

3 - الأساليب الحجاجية 

4 - الروابط المنطقية 

5 - الحجج : انواعها / وظائفها / شروط نجاحها . 

III – الخاتمة 

I - التمهيد:

إن ّدراسة المنزع العقلي في الأدب العربي القديم عموما والنزعة العقلية في مؤلفات الجاحظ خصوصا أمر يعسر على الدارس لا من باب الفهم فقط بل ايضا من باب تعدد الرؤي في تجليات العقل في هذه المؤلفات خاصة أنّ العقل قد تجلي فيها بمظهرين : مظهر العقل الملكة / المدرك بما يمثله من ميزة تميّز بها الإنسان عن بقيّة المخلوقات و مظهر العقل المعتزلي الذي يعبر عن نزعة كلامية مذهبية ماثلة في النصوص كحجة وبرهان على صحّة المذهب وأفضليته على المذاهب الأخري .
لهذا الأمر إرتأينا بهذه المحاولة المتواضعة ووفقا لمحتوي درس النزعة العقلية في الأدب العربي القديم من خلال مؤلفات الجاحظ ضرورة البدئ ببيان مفهوم العقل في التراث اللغوي ، لغة واصطلاحا وكيفية ظهور هذه النزعة العقلية عند العرب عموما و في مؤلفات الجاحظ على وجه التخصيص مرورا بتعريف المعتزلة و بيان أهم مبادئها باعتبار أنّ الجاحظ أحد أقطاب هذا المذهب وأبرز المدافعين عن مبادئه انتهاء بالتعرض إلي النزعة العقلية في مؤلفات الجاحظ وخاصة في كتابي الحيوان والرّسائل الذين لهما صلة بالبرامج الرّسمية للسنة الرابعة آداب مشددين التركيز على النصوص الحجاجية لما تضمنته هذه النصوص من حضور للعقل في مستوي الصياغة الفنّية من حيث بنيتها الحجاجية وأساليبها وروابطها المنطقية والحجج المعتمدة للبرهنة و في مستوي حضور العقل والإنتصارله من خلال تناول المواضيع المدروسة .
إن اهتمامنا في هذه المداخلة سيرتكز بالدرجة الأولي على مواضيع اشتغال العقل في مؤلفات الجاحظ والتعرّف إلي بنية هذه النصوص الحجاجية وذلك حرصا منّا أن يتبين التلميذ أثناء مراجعة هذا المسألة أنّ العقل عند الجاحظ يمثل قطب الرحى الذي تتمحور عليه صغار الأمور وكبارها وأنّ العقل عند هذا المفكر إنما هو ثمرة حسن الوفاء للنزعة المذهبية وعمل على كسر الثقافة النقلية ورغبة منه في التأسيس لنزعة عقلية و منهجا علميا يمثل فيه العقل الحجة والبرهان على صحة الموقف كما يمثل فيه العقل أيضا دليلا بيّنا علي صحّة المذهب الاعتزالي . 
- فما هو إذن مفهوم العقل في التراث العربي لغة واصطلاحا ؟ 
- وكيف ظهرت النزعة العقلية عند العرب عموما وفي مؤلفات الجاحظ على وجه الخصوص ؟
- ومن هم المعتزلة وماهي أهم المبادئ التي قامت عليها ؟
- وماهي تجليات حضور العقل في" حيوان" الجاحظ و"رسائله" من خلال نصوصه الحجاجية بنية ومضمونا ؟ 
1 - تعريف العقل: 

من البديهي أنّ الخوض في مسألة النزعة العقلية في الأدب العربي يستدعي منّا وجوبا تعريفا للعقل ينير لنا درب البحث ويذلل لنا صعوبات الدرس إيمانا منّا أنّ شروط البحث يجب أنّ تمرّ وجوبا ببيان المصطلح وتعريفه .
تجمع المعاجم العربيّة على أنّ المعنى الابتدائي لكلمة «عقل» أعني المعنى الّذي يحيل إلى المشخص المحسوس هو«الربط» قال في لسان العرب «وعقل البعير يعقله عقلا و عقله واعتقله» ثني وظيفه مع ذراعه وشدّهما جميعا في وسط الذّراع ثمّ ترتفع بنا المعاجم درجة أخرى في التعريف فنجد في لسان العرب كذلك رجل عاقل وهو الجامع لأمره ورأيه وقيل العاقل الذي يحبس نفسه ويردّها عن هواها و«عقل الشيء يعقله» بمعنى فهمه.
لذلك نفهم أنّ كلمة عقل قد ارتبطت بكثير من الدلالات في المعاجم و القواميس إلى أن وصلت بنا إلى حدود أنّ العقل هو الفهم وأنّ العقل هو بمثابة القيد للمعاني يحفظها و يفهمها. وقد وردت في هذا المعنى آيات كثيرة في القرآن منها قوله تعالى «يسمعون كلام الله ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه و هم لا يعلمون» البقرة- الآية 75 ، أي من بعد ما فهموه ووعوه. ومجمع القول على اختلاف الرّؤى والمفاهيم التي اتّصلت بتحديد مفهوم العقل فلسفيّا ودينيّا وعلى مستوى المعاجم ارتأينا أن نجمع القول في هذا الاختلاف والقول بأنّ العقل هو قوة النّفس التي بها يحصل تصوّر المعاني وأنّ العقل وظيفته تجريد الصورة عن المادة وهو قوة تجريديّة تمكّنه من الإصابة في الحكم وتميّزالحقّ من الباطل والخير من الشرّ والحسّ من القبيح، فهو ملكة إنسانية قادرة على تحصيل المعارف والتمييزبينها لذلك مثّل جوهر الإنسان وطريقه إلى الصواب وفكّ رموز الأشياء وأداة للتحقّق وإن اختلفت المواقف في تحديد هذه الملكة الخارقة في الإنسان وكيفيّة اشتغالها وأداة للتأمّل و النظر.
لذلك قيل رجل عاقل بمعنى فاهم له القدرة على الفهم والتمييز والنّظر وإطلاق الحكم عبر التمحيص و التحقيق.
وهو ما ميّز به الله تعالى الإنسان عن سائر المخلوقات.
وهو أداة للتّكليف لأنّ الإنسان يحاسب عن أفعاله لأنّه يمتلك عقلا به يستطيع التّمييز بين الخير والشرّ والقبيح والحسن.
عموما العقل أداة للفهم والتوضيح والتأمّل و الإشراف وربط الأسباب بالنتيجة. وهو القدرة والفعل والبحث والتأمّل والاكتشاف وعدم اعتناق الأمور وتبنّها إلاّ بعد فحصها والنّظر فيها والتحقّق من صحّتها بإعمال العقل واستعماله فهو ملكة تشريف الإنسان والعقل ضدّ النقل بمعنى ضدّ الثقافة النّقليّة أو ثقافة التلقين دون الفهم والتّمحيص. 
2 - نشأة النزعة العقلية عند العرب :

إنّ التحديد الزمني لبروز النزعة العقلية عند العرب يبدوا منافيا لشروط البحث الموضوعي لأنّ تقييد ظهورالعقل العربي بفترة زمنية محددة يعدّ تجنيا علي ترا ثنا العربي الذي شهد بوادر التفكير العقلي منذ عصوره الأولي والتي تجلت من خلال شعرنا الجاهلي باعتباره يمثل ديوان العرب ومخزون تراثهم وقد زخر الشعر الجاهلي بأسباب التفكير العقلي ومثالنا علي ذلك معلقة زهير بن أبي سلمي وما كانت عليه من حكمة ومن خلال أمثال أكثم بن صيفي وحكمه النادرة . فضلا عن التفكير العقلي الذي طبع الثقافة العربية الإسلامية في بداياتها ، لهذا الأمر نحترز شديد الإحراز أمام ضبط تاريخ محدد لظهور النزعة العقلية في الأدب العربي ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال حصرها في كتابات ابن المقفع أو الجاحظ أو التوحيدي وقد جوزنا لأنفسنا هذا الفصل لغاية منهجية بحتة . 
لقد كان للمشكلات الفكريّة الّتي واجهتها الأمّة زمن الفتنة الكبرى تأثيرا بالغا في إثارة العقل وتوجيهه نحو البحث وإطلاق الحكم في عدّة مسائل فقهيّة وسياسيّة كحكم مرتكب الكبيرة لأنّ الأمّة الإسلاميّة شهدت اختلالا بين قريش في موقعة صفين والجمل وتقديم الحكم في من هو أحقّ بالخلافة وكان لزاما على هذا العقل أن يواجه هذه المشاكل بعد أن كانت الأمّة الإسلاميّة زمن حياة الرسول ذات ثقافة نقليّة تعتمد القرآن والسنّة كمنهج وقانون للحكم إذن فإنّ الفتنة الكبرى وما أفرزته من تحوّلات سياسية كانت السبب الرئيس في طرح عدّة مشاكل وقضايا أدّت إلى ضرورة النظر وحتمت أن يكون العقل محلّ اشتغال فيها وهذا ما ساهم طبعا في إلغاء الثقافة النقليّة نحو النزعة العقليّة الّتي تأصّلت جذورها في تكوّن عدّة فرق كلاميّة توجّهت إلى النّظر والبحث في عدّة مسائل فقهيّة وسياسيّة وأدّت إلى انقسام المسلمين إلى فئات متعدّدة وساهمت في إثراء حركة الصّراع بينهم واشتغال آلة العقل فيها وإلى تضارب المواقف و تعدّد زوايا الرؤى والحكم فيها، هذا إضافة إلى إنفتاح العرب على الأمم الأخرى وازدهار حركة الترجمة الّتي ساهمت في تغير الثقافة العربيّة الأصيلة من ثقافة الصوفيّة إلى الثقافة العقلية العقليّة. 
هذه بوادر نشأة الخطاب العقلي عند العرب كانت خلافات سياسية أدّت الي اثارة عدّة أسئلة وقف المسلمون أمامها موقف الحائر ولم يجد لها تفسيرا فكان لزاما على هذا العقل أن يكون مجال بحث وتأمل في الحكم الذي أفرز عدّة مسائل فقهية وللتعرّف أكثر على حيثيات هذا الصراع و الانقسامات وجب التعرّض إلي أطوار الفتنة الكبري وقد ارتأينا الإيجاز والمرور بالأسباب الرئيسة فقط وتوضيح أسباب نشوء العقل والفرق الكلامية لأنّ هذا يقودنا مباشرة للحديث والتعرّف على أصول النزعة العقلية عند الجاحظ لأنّها كانت نابعة من خطاب المذهب باعتبار أنّ المعتزلة اعتبرت نفسها خطابا عقليا .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire