mercredi 5 mars 2014

رسالة الغفران


رسالة الغفران
رسالة الغفران : عمل أدبي لأبي العلاء المعري، تعتبر من أجمل ما كتب المعري في النثر، وهي رسالة تصف الأحوال في النعيم والسعير والشخصيات هناك، وقيل أن دانتي، مؤلف كتاب الكوميديا الإلهية أخذ عن أبي العلاء فكرة كتابه ومضمونه.
وقد طبعت عدة مرات كانت من أهمها النسخة المحققة من قبل الدكتورة عائشة عبد الرحمن وقد صدرتها بدراسة وافية لرسالة الغفران مع تحقيق لرسالة ابن القارح التي تعتبر المفتاح لفهم الغفران.
الأهمية الأدبية لرسالة الغفران
تعد رسالة الغفران لأبي العلاء من أعظم كتب التراث العربي النقدي وهي من أهم وأجمل مؤلفات المعري وقد كتبها رداً على رسالة ابن القارح وهي رسالة ذات طابع روائي حيث جعل المعري من ابن القارح بطلاً لرحلة خيالية أدبية عجيبة يحاور فيها الأدباء والشعراء واللغويين في العالم الآخر، وقد بدأها المعري بمقدمة وصف فيها رسالة ابن القارح وأثرها الطيب في نفسه فهي كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ثم استرسل بخياله الجامح إلى بلوغ ابن القارح للسماء العليا بفضل كلماته الطيبة التي رفعته إلى الجنة فوصف حال ابن القارح هناك مطعماً الوصف بآيات قرآنية وأبيات شعرية يصف بها نعيم الجنة وقد استقى تلك الأوصاف من القرآن الكريم مستفيداً من معجزة الإسراء والمعراج، أما الأبيات الشعرية فقد شرحها وعلق عليها لغوياً وعروضياً وبلاغياً.
ويتنقل ابن القارح في الجنة ويلتقي ويحاور عدداً من الشعراء في الجنة من مشاهير الأدب العربي منهم من غفر الله لهم بسبب أبيات قالوها كزهير وشعراء الجنة منهم زهير بن أبي سلمى والأعشى وعبيد بن الأبرص والنابغة الذبياني ولبيد بن أبي ربيعة وحسان بن ثابت والنابغة الجعدي.ثم يوضح قصة دخوله للجنة مع رضوان خازن الجنة ويواصل مسامراته الأدبية مع من يلتقي بهم من شعراء وأدباء ثم يعود للجنة مجدداً ليلتقي عدداً من الشعراء يتحلقون حول مأدبة في الجنة وينعمون بخيرات الجنة من طيور وحور عين ونعيم مقيم. ثم يمر وهو في طريقه إلى النار بمدائن العفاريت فيحاور شعراء الجن مثل " أبو هدرش" ويلتقي حيوانات الجنة ويحوارها ويحاور الحطيئة. ثم يلتقي الشعراء من أهل النار ولا يتوانا في مسامرتهم وسؤالهم عن شعرهم وروايته ونقده ومنهم إمرؤ القيس وعنترة بن شداد وبشار بن برد وعمرو بن كلثوم وطرفة بن العبد والمهلهل والمرقش الأكبر والمرقش الأصغر والشنفرى وتأبط شراً وغيرهم. ثم يعود من جديد للجنة ونعيمها.
تعد محاوارات ابن القارح مع الشعراء والأدباء واللغويين التي تخيلها المعري في العالم الآخر مصدراً مهماً من مصادر دراسة النقد الأدبي القديم حيث حوت تلك المسامرات والمحاورات مباحث نقدية مهمة وأساسية في النقد الأدبي.
ركز أبو العلاء المعري في هذا الكتاب على إبراز ما أسماه النص المحوري للرسالة وذلك لإبراز غرضها الأساسي الذي يحدده ب ((التعبير عن نظرة للدين والأدب والحياة بأسلوب أدبي ويركز أيضا على الجانب العقائدي في الرسالة من خلال ربطها بعقيدة أبو العلاء المعري وما كان يظهر عليه من نزعات إلحادية وشك وزندقة وقد جاء في فصول خمسة هي:
الأسلوب المعري
((أقتباس عن الدكتور علي شلق))
الرسالة كثيرة الاستطراد, ولعل الجاحظ الذي وسم أدبه بالتنقل من موضوع إلى آخر, ثم العودة إلى ما بدأ, قد دمغ باستطرادته الأدب العربي، وأعدى صاحبنا المعري, وربما استطراد المعري لسبب آخر هو اللهو، والعبث بابن القارح، أو أنه لسعة اطلاعه فاض كما فاض الجاحظ.
إلى جانب ذلك كان المعري مسرفا إسرافا متجاوزا في العمية اللغوية, والجري في مضمار الغريب كأنه يكتب لخاصته كما يزعم الدكتور طه حسين, أو أنه لم يشأ أن يطلع الناس، وعامتهم على آرائه, ومنازع فكره, لكن هذا الغريب النادر أظهر لنا أبا العلاء واسع الاطلاع إلى حد لم نألفه عند سواه على الغريب والنادر في اللغة وانه أحيى ألفاظ كانت مواتاً, مستوفيا قواعد اللغة, والشاذ فيها, متصرفا بالاشتقاق, والتوليد تعرف الخبير المستطيل، حتى صح للعلامة عبد الله العلايلي يميزه بأنه صاحب فلسفة لغوية خاصة, مما أدى به إلى اعتبار الحروف كالأرقام ذات دلالات رمزية جنحت به إلى السيمائية, أو ما يسمى بالفيثاغورية أو الهرمسية, وكل ذلك مذهب من مذاهب الباطنية التي وصم المعري, وفصل ذلك العلالي في كتيبه عنه ((المعري ذلك المجهول)) كما شهر من قبل جابر بن حيان.
وفي رسالة الغفران علم كثير, بالشعر وروايته، ونقده، ومقابلاته, وبالتاريخ, وبالأماكن، والافراد، والقرآن وتفسيره, وروايته، والحديث ومختلف شؤونه, واللغة كل ما يتصل بها, والتفات حصيف إلى الفرق, والأديان, وما خفي من حياة الأفراد العظماء، فجاءالمعري ينبش, ويكشف ,أو يصحح أو يفضح.
قذف المعري إلى الدنيا, واصطدم, فلم يهو إلى مخافي العفاء, أو ينطو صفحة ممحوة السطور, بل أخذ يـتأمل، ثم يتحدى, ليتخذ موقفا من الجسد بالتحكم فيه, ودوزنة مطالبه كما شاءت إرادته, وحدد موقفا من النفس, فلجمها, ونسق منازعها, ممهدا إلى موقف كلي من المجتمع , والإنسان والكون.
لم يكن ملتفاً في قوقعة الترصد, والمواربة كابن المقفع, ولا عابثا لاهيا على سطوح المجتمع كالجاحظ, أو سوفسطائيا كأصحاب المقامات ,أو زخرفيا كأبن العميد، ولا ظلا كأبي حيان التوحيدي, بل كان بناء في هدمه, مسؤولا عن الإنسان والكون، متحدثا إلى هذا الإنسان بلغة الذي يرى المصير, ويعي الله، ويشمل بنظره لعبة الخلق, والوجود, والعدم، والكبرى.
هنا لابد من سؤال: أليس أبو العلاء رائد الوجودية الحقيقي, قبل مارتن هايدغر وكير كجرد, وسارتر، وكلوديل ؟
وهل تغيب مثل كلوديل, وهيدجر, أو جف مثل كيركجرد وسارتر؟
كان شاعرا أو فنان _ كان فيلسوف بلغ دائرة الصدر _ كان صوفيا بضميره...
1بعض القضايا المطروحة في رسالة الغفران

حمّل المعرّي رسالة الغفران بعض القضايا التي شغلته و عبّر عن بعضها في اللزوميّات، و قد كانت رسالة ابن القارح أشبه ما تكون بالقـادح الذي جعله يتطرّق إلى هذه القضايـا بأسلوب مبطّن ظاهره هزل و إمتاع و ضحك و باطنه مواقف من بعض المسائل و بكاء لما آل إليه مآل العقيدة و تحطيم لبعض الأصنام التي خلقتها العامّة في أذهانها.

من القضايا الأدبيّة 

اتخذ المعرّي من كتـابة الرّسـالة مطيّة للتعبير عن مواقفه إزاء بعض القضـايا التـي تمسّ الأدب و الشّعر خاصّة فأبان عن ازدرائه لمسألة التكسّب بالشّعر و إراقة ماء الوجه لقاء عطيّة تعطى أو هديّة تهدى يقول مثلا على لسان إبليس معلّقا على قول ابن القارح«أنا فلانُ ابن فلانٍ من أهل حَلَبَ كانت صناعتي الأدب أتقرّب به إلى الملوك، فيقول: بئس الصّناعة، إنّها تَهَبُ غفّة من العيش، لا يتّسع بها العيال، و إنها لمزلّة بالقدم و كم أهلكت مثلك...»[1].كما يبين المعرّي عن موقفه من قضيّة الإنتحال في الشّعر يقول على لسان آدم و قد أصرّ ابن القارح على نسبة بعض الأبيات من الشّعر إليه رغم رفضه:«آليت ما نطقت هذا النّظيم، و لا نُطقَ في عصري و إنّما نظمه بعض الفارغين...»[2]. إضافة إلى هذين الموقفين يتجلي موقف المعرّي كذلك من مسألة المبالغات المشطّة في الشعر فها نحن نجد صخرا قد أُخذ بذنب أخته نتيجة مبالغتها فكا مثواه النّار المشتعلة في رأسه تجسيدا لمقولها فيه، أمّا الحطيئة و هو ما هو في قبح الألفاظ و معاني الهجاء ينال صكّ التوبة بفضل بيت صدق قاله في حياته و هجا به نفسه.

من القضايا الإجتماعيّة 

شهد القرن الخامس للهجرة ترفا بالغا في المطعم و الملبس و المسكن و انتشر اللهو الذي بلغ أحيانا حدّ التهتّك و المجون و الإستهتار و الملاحظ أنّ الثروات لم تكن موزّعة توزيعا عادلا بين فئات المجتمع فرجال الدّولة و بعض المترفين كانوا يعيشون حياة الرّخاء و الإسراف و كان أغلب النّاس يعيشون حـالة من الفقر و الفاقة و قد انعكست هذه الطّبقيّة في رسالة الغفران فنجد زهير بن أبي سلمى مثلا يسكن قصرا في الجنّة في حين أنّ الحطيئة و هو من قاطني الجنّة أيضا«رجل ليس عليه نور سكّان الجنّة و عنده شجرة قميئة ثمرها ليس بزاكٍ»[3]. كما رسم المعرّي تكالب الناس على الشهوات دون أن يردعهم رادع أو يصدّهم خلق فإذا بمجالس اللهو و الطرب منتشرة و المتع الحسّية مطلوبة مقابل الإعراض عن المتع الفكريّة و ها نحن نجد ابن القارح في الرّسالة يقمع حاجته لمعرفة أشعار الجنّ و الإطّلاع عليها مخافة تضييع بعض الفرص السانحة لإشباع غريزته و حواسّه. 

من القضايا الدّينيّة و العقائديّة

فضح المعرّي بعض المواقف التي جعلت الدّين و قيمه متهرّئة تصاب بالإقصاء، فإذا بالنّفاق عملة تتداول و كذلك الزّندقة و التلوّن حسب مقتضيات الحال، إضافة إلى هذه المواقف فقد صاغ المعرّي صورة للجنّة استند في خلقها إلى أذهان العامّة و معتقداتهم فإذا بها تصير أشبه بالماخور الدّنيويّ تستباح فيها المحرّمات بجميع أنواعها و تقترف فيها الكبـائر و الصّغـائر على حدّ سواء فلا دين يردع و لا ملك يكتب و يسجّل، فدنّست المقدّسات نتيجة لذلك، و صار التمنّع عن إرضاء الشّهوات في الدّنيا مجرّد إرجاء، قصد إشباعها في الدّار الباقية، و هذا النقد الذي حمله المعرّي قصد به كلّ الذين توقّفوا عند ظاهر النصّ القرآني دون النّفاذ إلى أعماقه.

و إلى جانب هذه التصوّرات التي تقصاها المعري و سجّلها فإنّه ردّ كذلك على بعض المذاهب الدينيّة و في مقدّمتهم الشيعة الذين يؤمنون بالشفاعة و يعلّقون عليها آمالهم للفوز بالجنّة كأن لا علم لهم بقوله تعالى: ﴿من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه﴾[4]و قوله﴿ليس لهم من دونه ولِيّ و لا شفيع﴾[5] و قوله﴿ما من شفيع إلاّ من بعد إذنه﴾[6]﴿لا تغني شفاعتهم شيئا إلاّ من بعد أن يأذن الله لمن يشاء﴾[7] و عديدة هي الآيات التي تدور في هذا الفلك.

قراءة في أجناسيّة رسالة الغفران

رسالة أم قصّة أم مسرحيّة هذا النصّ الغفرانيّ؟؟ أم إنّه شيء 'تلفيقيّ' جامع لكل ما ذكرنا؟؟ العديد من المشتغلين على هذا النصّ يحاولون إقحامه في خانة دون أخرى مستندين إلى بعض الحجج مقصين عددا آخر فبنت الشّاطئ مثلا تقرّ بكلّ اطمئنان بأنّ هذا النصّ مندرج في باب المسرحيّة في حين يذهب حسين الواد إلى اعتبار هذا الأثر قصّة أو هو جماع قصص عدة يقول«و الواقع أنّ لكلّ شخص في الرّحلة قصّته بما في ذلك الحيوان...و القصص ينضمّ بعضها إلى بعض و الرّاوي ينقل في صيغة الحاضر كلّ ما يحدث.. و كلّ ذلك قصّة كبيرة تروي لنا شيئا فشيئا، و هي قصّة الرّحلة في رسالة الغفران»[8]. أمّا مؤلّفا كتاب أدبيّة الرّحلة في رسالة الغفران و إن أقرّا في البداية اجتماع أجناس أدبيّة عدّة في الرّسالة يقولان:«فهو(قسم الرّحلة) في الحقّ جماع أجناس، استعار من المسرح الحوار و صدامه و من القصّة الراوي و حيله و من القصيدة المغنى و إيقاعه و من المقامة السّجع و أجراسه و من الخرافة العجيب بألوانه»[9] غير أنهما أقرّا في نهاية هذا الفصل بأنّ قسم الرّحلة قصّة ترسّليّة أو رسالة قصصيّة:« لا يسمح استنطاق البنية القصصيّة بأكثر من هذا التّخريج: الرّحلة قصّة ترسّليّة أو رسالة قصصيّة و لكن لمسألتي التخيّل و السّخرية أحكاما إضافيّة في هذا الشّأن»[10].

و إذا حاولنا الخروج من هذا الجدل و الرّكون إلى موقف محدّد فإننا نجد أنّ الرّحلة و إن اشتملت على مقوّمات القصّ و أنماطه إلاّ أنّها لا يمكن أن تكون بأيّ حال من الأحوال قصّة بالمعني الحديث للمصطلح فالحبكة تكاد تكون منعدمة خاصّة في تحوّل ابن القارح من شخصيّة إلى أخرى فالبطل يسير على غير منهج و الراوي يتتبعه في ذلك كما أنّ الإستطرادات الكثيرة التي تضمّنها النصّ جعلته في بعض الأحيان ينقلب إلى مجرّد درس في مسألة من المسائل.

إنّ رسالة الغفران إذا ليست قصّة من جنس القصص التي يكتب الدعاجي أو تيمور أو إدريس و إنّما هي ضرب من القصّ القديم تستبيح ما يعدّ اليوم في عالم القصّ منكرا وهي نصّ إذا ما حاولنا إخضاعه إلى المقاييس الأجنـاسيّة الحديثة تفلّت و استعصى و ظلّ مناورا لا يروم قيدا. 

على سبيل الخاتمة

أنشأ المعرّي رسالة الغفران في قالب رسالة مشتملة على أحداث قصصيّة بأسلوب ساخر و متهكّم ليطرح العديد من القضايا و المواقف، و الناظر إلى هذا النصّ من جهة هزليّته، يحار قبل الإقدام على مغامرة الضحك، سيما و هو يرى جوانب عدّة من ذاته في ابن القارح الأضحوكة، كما أن هذا النصّ يطرح العديد من القضايا العقائديّة التي لحقها التشويش، و هي و إن عمدت إلى زعزعة بعض هذه القناعات إلاّ أنّها لم تقدّم أجوبة بقدر ما طرحت العديد من الأسئلة و التساؤلات معظمها سيبقى مرتهنا بالغيبيّات. 

من أشكال القصّ في الأدب العربيّ القديم : رسالة الغفران قسم الرّحلة
الأهداف

تبيّن الخصائص الفنّيّة لشكل من أشكال القصّ في نصّ قديم.
استجلاء مظاهر إعمال العقل في القضايا المطروحة.
إبداء الرّأي في ذلك.
المحتوى:
"رسالة الغفران" لأبي العلاء المعرّي :
قسم الرّحلة
التّوجيهات:

يتمّ الاهتمام ب :
ـ البنية القصصيّة :
• الشّخصيّات (أصنافها، علاقاتها، خصائصها
• الرّاوي (أنواعه، مواقعه، وظائفه• الإطار المكانيّ (أنواعه، خصائصه، بناؤه.
• الإطار الزّمانيّ (أنواعه، دلالاته، مفارقاته.
ـ الخيال :
• مصادره (القرآن، السّنّة، الشّعر، الأساطير.
• مظاهره (الواقعيّ، الغرائبيّ، العجائبيّ.
• تقنيّاته (التّحويل، التّهويل، التّركيب.
ـ أنواع الهزل :
• السّخرية، التّهكّم، روح العبث.
ـ الإضحاك :
• وسائله (المفاجأة، سوء التّفاهم، التّكرار، الدّعاء، الاختلال في الجنّة.
• مظاهره (الحركة، الكلمة، الموقف، الشّخصيّة السّاذجة.
ـ الاستطراد :
• موقعه من الحوار.
• مضامينه (لغويّة، أدبيّة
ـ مواقف المعرّي من :
• المعتقدات الدّينيّة والقضايا الماورائيّة.
• القضايا الاجتماعيّة والسّياسيّة.
• الأخلاق والسّلوك.
• قضايا اللّغة والأدب.
لموضوع : 
لا يمُثّل قسْمُ الرِّحْلَةِ مِنْ رِسالةِ الغُفرانِ مُجرّدَ رِحْلةٍ سَماويّةٍ فِي عالمِ الخيالِ فقطْ ولكنّهُ طرْحٌ لجمُلةٍ ِمنَ القضايا الفكْريّة والأدبيّة بأُسْلُوبٍ سَاخرٍ. 
حلّلْ القَوْلَ مُعْتمِدًا شواهِدَ دَقِيقَة مِنْ رِحْلَةِ الغُفْران .
تفكيك المعطى:
-لا يمُثّل قسْمُ الرِّحْلَةِ مِنْ رِسالةِ الغُفرانِ مُجرّدَ رِحْلةٍ سَماويّةٍ فِي عالمِ الخيالِ فقطْ :
- رحلة في عالم الخيال +......
-الخيال " المكان , الزمان , الشخصيات , الأحداث .....
-جملة من القضايا الفكريّة والأدبيّة :
-* القضايا الفكريّة: 
- 1عقدية دينيّة - 2 : إجتماعيّة – 3: سياسيّة 
-الأدبية " الشعر حدّه , المدح ’ القضايا العروضيّة , المعجم ......." 
-الأسلوب السّاخر : 
تفكيك المطلوب " 
- تحليل القول + اعتماد شواهد دقيقة 
المقدّمة : تأجيل المقدّمة 
الجوهر: 
مظاهر الـــــخيال
تجلّت مظاهر الخيال في رحلة الغفران في عدّة مظاهر وهي المكان , الزّمان , الشخصيات , الأحداث. 
مظاهر الخيال في المكان 
عالم الغفران عالم عجيب غرائبي لا معقول : عالم ما ورائي عجيب مفارق للعالم الأرضي مبالغة في وصف غرائبيّة المكان وجغرافيّته " كثبان من عنبر , نوقه من ياقوت ,ودر ّ , وصخوره من زمرّد , خمره وحليبه أنهار, سحابه ينثرُحصى من كافور , ظلال شجره تأخذ ما بين المشرق والمغرب , مُكوّناته لايّصيبها التّغيير , والتحوّل , ثمر شجره تخرج منه الحور العين , ماء الحيوان فيه يمنح الخلُود " وتجري في لأصول ذلك الشّجر أنهار تختلج من ماء الحيوان من شرب منها النّغبة فلا موت فقد أمن هنالك الموت ..." 
مظاهر الخيال في الزمان : يتميّز :بــ :
زمن إلاهي مُطلق لا نهائي مُتحرّر من قيود النّسبيّة والمحدُوديّة ..." يومٌ مقداره خمسين ألف سنة " 
زمن لا يُؤثّر في الأشياء والشّخُوص : " وسُعدٌ – أنهار- من لبن متخرّقات لا تُغيّر منها الأوقات 
زمن ما بعد الموت بعد الحياة الدّنيا زمن عجيب لم يدركه البشر بعد 
مظاهر الخيال في الشّخصيّات
تجسمت مظاهر الخيال في الشخصيات من خلال :
أ: كسر الحاجز الزمني بين بينها : اجتماع شخصيّات من مرجعيّات زمنيّة مُختلفة من ذلك " الجاهلي , والأموي , والعبّاسي , وآدم 
ب: كسر الحواجز اللّغويّة بينها : إنطاق المعرّي شخوص عالم الغفران باللّغة العربيّة والحيوان نفسه " الأفعى , الأسد , يحاور ابن القارح بالعربية الفصيحة ويُناقش 
ج:كسر الحواجز بين الأجناس اجتماع الإنسان بالحيوان , والجن والملائكة وزبانية النار والعفاريت وإبليس .......في عالم الغفران 
د : التغيّرات الطّارئة على بعض الشّخصيّات: الأعشى مبصر بل أحور , أجمل عيون عند عُوران قيس , توفيق السوداء أنصع من الكافور تحول زهير بن أبي سلمى إلى شاب ...ظاهرة التعويض والقلب قال حُميد بن ثور عن بصره " إنيّ لأكونُ في مغارب الجنّة فألمحُ الصّديق وهو بمشارقها وبيني وبينهٌ ألوف الأعوام ..." 
مظاهر الخيال في الأحداث 
تجسم الخيال من خلال : خروج حور العين من الثمار , عودة الحيوان " الطاووس .الإوز..." بعد أكله إلى حاله الأول انقضاب عنقود العنب من الشجرة إلى فم ابن القارح , الأغصان تنضح البطل بماء الورد , الخيل تحلق حينما اشتدّ الزحام , السهم يتوقف عند تصويبه الخيل والجواري تسير بسرعة البرق سرب الإوز يتحول إلى جواري راقصة " ويمرّ رف " جماعة" من إوز الجنّة ..فينتفضن فيصرن جواري جواري يرفلن في وشي الجنة .." 
/القـــضايا الفكريّة 
عقديـــــــة : 
أ – معتقد الغفران : الإيمان بالغفران يقلب الجزاء بالنّعيم أمرا يسيرا بلوغهُ ممّا يشجّعُ النّاس على استهلاك حياتهم في اللذة والمتعة 
ب- مفهوم الشّفاعة : ثورة المعرّي على هذا المُعتقد الشّيعي لأنه إبطال ٌ للحُكم الإلهي وتأكيدا
على التدخل البشري في الجزاء وهو أمرٌ مردود دينيّا بالإضافة إلى الخلفيات السّياسيّة الشيعيّة لهذا المعتقد 
ج: نقد التّصوّرات المادّية للجنّة والبعث والحشر : هذه التّصوّرات الحّسية أفقدت الجنّة والبعث والحشر قُدسيّتها .
د : معتقد الوساطة وعٌبور الصّراط والجزاء على الأقوال و ليس الأفعال 
نقد أبو العلاء المعرّي للواقع العقائدي في رحلة الغفران هو نقد العقل لمجتمع اللاّمعقول وهو ثورة على زمن أفلس حضاريّا وتميّز بالبُؤس القيمي ورقّة الإيمان
أخـــــــلاقية
فضح لمجتمع مغرق في الشّهوات الجنسيّة " اللواط ,المجالس الخمريّة , الخلوات الجنسية , العربدة والمجون , مثال " ويخلو لا أخلاه من الإحسان بحوريتين من حور العين .. ويقبل على كلّ واحدة منهنّ يترشّفُ رضابها " " إنّ الخمرة حرّمت عليكم في الدّنيا وأحلّت لكم في الآخرة فهل يفعل ُ أهل الجنّة بالولدان المُخلّدين فعل أهل القّريّات " 
اجتــــــماعية : 
أ: الطّبقيّة : تشهير المعرّي بالتّناقض الصارخ بين حياة القصّور والبيوت الحقيرة : " زهير بن أبي سُلمى " وُهب له قصرٌ من ونيّة " والحطيئة " بيتٌ في أقصى الجنّة كأنّه حفش أمة راعية " 
ب: الوصوليّة والوساطة : تشهير المعرّي بالسّلوك الاجتماعي القائم على أنّ الغاية تبرّر الوسيلة من ذلك تودّد البطل ابن القارح إلى فاطمة الزّهراء قصد الدّخول إلى الجنّة فقالت للرسُول :" هذا رجلٌ سأل فيه فلان وفلان " 
ج: نقد تدهور واقع : المرأة استحالت وعاء للذّة وملبّية لرغبات الرجل فهي إمّا قينة أو جارية أو راقصة 
-سّيــــــــاسيّة : 
التشهير بتحكّم الحاشية في السّلطة السّياسيّة : دور آل البيت في تقرير مصير الشّخصيّات بمعزل عن الإرادة الإلاهيّة مُعادل رمزي لتحكّم الحاشية في الحكم في ظلّ غياب السّلطان .
فضح الدّسائس والنميمة : " يجبُ أن يُحذر من ملك يعبر فيرى هذا المجلس فيرفع حديثهٌ إلى الجبّار الأعظم فلا يجٌرّ ذلك إلاّ ما تكرهان " 
نقد انصراف الرّاعي عن الرّعيّة : غياب اللّه في الجنّة أشبه بغياب السّلطان السّياسي في الواقع .==) موقف المعرّي من رجال السّيلسة تميّز بالحدة إزاءهم حيثٌ أدخلهُم ْ جميعهم النّار : مثال:" والشّوس الجبابرة من الملوك تجذبهم الزّبانية إلى الجحيم والنّسوة ذوات التيجان يُصرن بألسنة من الوقود فتأخذ فروعهنّ وأجسادهنّ "
القـــضايا الأدبـــيّة 
أ:حدّ الشّعر ومفهومه ووظيفته وفضح الشعرالمدحي التكسّبي" بئس الصّناعة إنّها تهبُ غُفّة من العيش لا يتّسعُ بها العيال " 
ب: السخرية من شعراء الرجز : وضعهم المعري في جنّة خاصّة بهم وحرمخم من نعيم الفردوس ولذّاته : " إنّ الرّجز لمن سفساف القريض , قصّرتم أيّها النّفر ُ فقُصّر لكم " 
ج : الانتحال الشعري : قال الأعشى " ما هذا ممّا صدر عنّى وإنك منذ اليوم لمولعٌ بالمنُحولات " 
د : السّرقات الشّعريّة : قال ابن القارح : " عملت ُ كلمة ووسمتها باسمه " رضوان " في وزن قول لبيد " 
هـ : رداءة واقع النّقد الأدبي : قيام النّقد على اعتبارات لا أدبية ونهوضه على أسس أخلاقيّة انطباعيّة ومذهبيّة وتميّزه بالعنف اللّفظي والمادّي مثل خصومة الأعشى مع النأبغة عند اختلافهم في الفحولة الشعرية الأسلوب الــــسّاخر

فضاء الغفران فضاء يعج بالمواقف النّقديّة ولكنّ المعرّي قدّمهٌ بأسلوب ساخر تمثّل في : 
: الجنّة / وسلوك البطل المعربد في الجنان ( مجون , شذوذ , الخصومات ’
التفارق بين المكان المقدّس والسّلوك المدنّس
الجنس , المنادمة ,: أغلب الشّخصيّات فازت بالجنّة بحجج واهية ولامعقولة ( عبيد بن الأبرص ببيت من
اختلال التوازن بين الفعل والجزاء
الشعر , الحُطيئة لأجل كلمة صدق , الأعشى بقصيدة مدحيّة , ابن القارح بصكّ التوبة ==) مفارقات عجيبة بين الجزاء والعقاب 
-سُخرية المشهد : قلب المواقف الجادّة إلى مشاهد هزليّة : 
-يوم الحشر المفروض أن يكون يوم رهبة وخوف أصبح فضاء للمزاحمة والتّوددّ والتحيّل والصّراخ والعويل ...
-انشغال بعض الشخصيّات يوم الحشر بالنقاش الحادّ في مسائل شعريّة أدبيّة مثل النّقاش الحاد مع أبي علي الفارسي الذي اتهمه الشعراء بالتّجنّي عليهم في تأويله ..." كنت قد رأيتُ في المحشر شيخا لنا كان يدرّسٌ النحو في الدّار العاجلة يعرف بأبي علي الفارسي وقد امترس به قومٌ يُطالبُونه ٌ ويقولون لهُ : تأولت علينا وظلمتنا ..
- رسم يوم المحشر في صورة سوق يعلو فيه الضجيج والصّراخ والتزاحم بين النّاس والتودّد إلى الرّسول وعلي بن أبي طالب وفاطمة 
-انقلاب النّقاش بين النّابغة الجعدي والاعشى إلى خصُومة تطوّرت من العنف اللّفظي بالسّباب والشتم والتنابز وتبادل الاتّهامات إلى العنف المادّي " فيضربُه بكوُز من ذهب " 
-الرّسم الكاريكاتوري السّاخر : عبور الصراط زقفونة على ظهر جارية تسير بسرعة البرق ؟ 
وهو " ابن القارح " لا يستمسك ويتساقط يمنة ويسرة 
-المفارقة بين المقام والمقال : ابن القارح يسألُ أهل النّار رغم عذابهم القاسي عن الشّعر وقضايا الأدب قول ابن القارح إلى إمريء القيس وهو في عذاب النّار " يا أبا هند إنّ رواة البغداديين يُنشدون في قفا نبك هذه الأبيات بزيادة الواو في أولها ..:
-توسل ابن القارح يوم الحشر الشّعر طريقا للدّخول خلسة وعن عدم استحقاق للجنّة وذلك بالتّوددّ إلى رضولن وزفر وحمزة : " أفي مثل هذا الموطن تجيئني بالمديح ؟.." 
-مفارقة الصفة للسلوك : ابن القارح شيخ يُظهر الورع والوقار ولكنّه يترشّفُ رُضاب جاريتين من حور العين أو يعربدُ ويُقيم مجالس الأنس والطّرب ويخاصم ُ بفعل السّكر أو يختلس النّظر إلى ردف جارية أثناء السّجود..
-مفارقة السّن للسلوك : ابن القارح شيخ هرم ضعيف ولكّنهُ مع ذلك يهربُ مهرولا من الأفعى التي دعتهُ إلى خُلوة جنسيّة أو مضانكة النّاس يوم الحشر حتّى يصل إلى رُضوان وزُفر : " ثمّ ضانكت النّاس حتّى وقفتُ وقفت بالقرب منه ( رضوان ) بحيثُ يسمع ويرى فما حفل بي ولاأظنّهُ أبه لما أقول ...." 
-سخريّة اللفظ : من خلال : 
-التورية استعمال ألفاظ تثير الالتباس بحكم تأديتها للمعنى ونقيظه مثل قوله " قد وصلت الرّسالة التي بحرها بالحكم مسجور ومن قرأها مأجور " لفظة مسجور : الامتلاء / الفراغ أسلوب التورية ينقل المعنى من الظاهر البريء إلى المعنى الباطني السّاخر . 
-الإغراب اللّغوي: استعمال أبي العلاء لألفاظ يثيرُ نُطقها الضّحك لأجل غرابتها مثل : كفرطاب , زقفونة , جحجلول .....
بناء المقــــــــدّمة 
تأخير المقدّمة راجع لضرورة منهجيّة تتمثّل في استلهام ما جاء في بناء الجوهر لصياغة هذه المقدّمة .والغاية من ذلك تجنيب التلميذ الاعتماد على المقدّمات الجاهزة أو التّاريخيّة ويمكن أن يقدّم للنّص بتقديم أهمية فنّ القص وتوظيف السّخرية لإثارة التّفكير في جوانب من العقيدة والأدب . ختم المقدّمة برسم مسلك منهجي ّ يساعد على التّدرّج تحليلا وتأليفا بتضمين نصّ الموضوع وصياغته في إشكاليّات تتناسب والمطلوب 
بناء الخــــــــاتمة : 
تقوم الخاتمة على بلورة النّتائج التي أفضى إليها التّحليل والتأليف والتقويم لفتح آفاق جديدة نابعة من الاشتغال على النّص مضمونيّا وفنّيا ( الخيال والهزل في قسم الرّحلة واجهتان ممتعتان شفّفتان يتراءى منهما تفكيرُ جاد يتعلّق بالإنسان في القرن الخامس للهجرة عقيدة ,وسُلوكا واجتماعا وأدبا ويظهرُ فيها المعرّي أديبا ممتع الأدب وناقدا نافذ الفكر 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire